صاحبة السمو تشهد افتتاح مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة
شهدت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، اليوم، افتتاح مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة بمركز قطر الوطني للمؤتمرات تحت عنوان "الأسرة والاتجاهات الكبرى المعاصرة".
حضر الافتتاح فخامة الرئيسة فيوسا عثماني سادريو رئيسة جمهورية كوسوفو، وفخامة الدكتور حسين علي مويني رئيس زنجبار، وسعادة السيدة أمينة محمد نائب الأمين العام للأمم المتحدة، وعدد من أصحاب السعادة الشيوخ والوزراء.
وأكدت صاحبة السمو خلال كلمة في افتتاح المؤتمر قائلة: "إن قضايا الأسرة وتحدياتها تتماثل في المجتمعات جميعها، ولكنها تختلف في خصوصياتها من بلد إلى آخر، فهناك مشتركات كثيرة بين الأسر من شمال العالم إلى جنوبه، أبرزها تحديات التكنولوجيا وتأثيرها، واللغة الأم في عالم معولم، وصراع الهويات، وكلها تحديات كونية تتأثر بها أكثر من سواها بلدان لا تمتلك أدوات ثقافية واقتصادية وتنموية تساعدها على تخفيف الصدمات".
وتابعت: "اسمحوا لي كعربية أن أتناول التحديات التي تواجهها الأسر العربية، وفي مقدمتها حاليا التأثيرات العميقة للتكنولوجيا، ولست هنا بصدد تجاهل الدور الإيجابي الهائل للتكنولوجيا، ولكنني أعني تأثيراتها وآثارها الاجتماعية. ففي الوقت الذي نستهلك فيه التكنولوجيا الرقمية، نتجاهل البروتوكولات الخاصة بها، ونستسلم لإغواءاتها، وهي تبعدنا عن العالم الواقعي إلى عالم افتراضي نختاره أحيانا في محاولة للهروب من قسوة الواقع، ما يشكل تغريبا خطيرا، قد يجعل الأجيال الشابة، تحديدا، خارج ثقافتها وخارج لغتها في بعض الأحيان، والأخطر أن تكون خارج هويتها".
وأضافت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر: "وفي هذا العالم الافتراضي، الذي تسيطر عليه جهات تتحكم بمحتواه وتوظفه لخدمة أجنداتها الخفية، أصبحنا منتجا يباع ويشترى، وهذا ما أسميه "الاستعباد الرقمي"، حيث يتشدق سادته ليلا ونهارا بإيمانهم بحرية التعبير والدفاع عنها، ولكنهم ينقلبون فجأة إلى معادين لها إذا ما مستهم بما لا يروق لهم، وهذا ما نراه في الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، سعيا إلى تسويغ الأفكار وتنميط التفكير، حتى باتت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أدوات لغسيل الأدمغة".
ولفتت صاحبة السمو في كلمتها إلى "أن هناك ثمة تحديا آخر، يواجهنا كعرب، يتمثل في الدفاع عن مكانة اللغة الأم في حياتنا ووجداننا ومناهجنا التعليمية، فاللغة العربية جوهر هويتنا والحامل الحضاري لتاريخنا وقيمنا وحكمة أسلافنا وخصوصيتنا الثقافية. ولا يعني الاعتزاز باللغة العربية تعصبا يمنعنا من تعلم لغات أخرى تعمق معارفنا، ولكن القول الفصل أن لا تأخذنا اللغة، التي نتعلمها، بعيدا عن لغتنا الأم".
وأوضحت قائلة: "وبكلمات أخرى، يجب أن لا تزعزع اللغات الأخرى مكانة لغتنا وتحل محلها. ولا يسرني ما لاحظته عندما شاهدت وسمعت شبابا عربا، من الجنسين، يستخدمون اللغة الإنجليزية في التواصل اليومي ويدعون، بلا حياء، أنهم بهذه اللغة يعبرون عن أنفسهم بشكل أفضل مما يفعلون بلغتهم العربية، ولعل أخطر ما يمكن أن تتعرض له اللغة العربية أن يهجرها أبناؤها وهم في بيئتهم الثقافية".
ونبهت صاحبة السمو إلى أن "اللغة العربية هي نحن"، وبدونها نغدو هجينا بلا هوية، وهذا هو التحدي الثالث، لأن اللغة هي الوعاء الذي تتشكل فيه ثقافتنا، وبالاثنتين معا، اللغة والثقافة، تصاغ هويتنا. لذا لا خيار أمامنا لحماية كياننا الوجودي سوى حماية لغتنا العربية والاعتزاز بها، وصيانة ثقافتنا من الهجوم الكاسح للثقافات الأجنبية، فاللغة العربية هي كل ما تبقى لنا كعرب في الدفاع عن هويتنا ووجودنا القومي، بعد أن اختفت أو تراجعت العناصر الوجودية الأخرى وهمشت المرجعيات القيمية.
وبينت في كلمتها أنه "لا مثال في الدفاع عن هذا الوجود أبلغ مما يحصل في غزة، حيث خلق الوعي الديني والوطني هذا الصمود المذهل بصوره الأسطورية التي أظهرتها النساء والأطفال وجميع أفراد الشعب في مواجهة محو هويتهم الثقافية والدينية في سياق الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري. وفي خضم هذ المأساة شهدنا النضج المبكر لأطفال غزة وكأنهم خرجوا من طفولتهم ليرتدوا جلباب الرجولة، فلا عرفوا طفولة ولا عاشوا ما يطلق عليه المراهقة، إنها التربية الأسرية التي تعد طفلا واثقا مدركا لجذوره معتزا بهويته يشعر بالمسؤولية الاجتماعية ويعي واجباته قبل حقوقه. وهذا النموذج من التربية هو ما نحتاج إليه اليوم في الأسرة عموما في ظروف السلام قبل ظروف الحرب.
وأعربت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، في ختام كلمتها، عن أملها أن تكلل أعمال المؤتمر بالنجاح والخروج بنتائج تسهم في حماية الأسرة وتنمية المجتمع.
ويناقش المؤتمر، الذي يستمر يومين وينظمه معهد الدوحة الدولي للأسرة بالتعاون مع عدد من الشركاء، التحديات الكبرى التي تواجه الأسرة، ومنها التغير التكنولوجي والاتجاهات الديموغرافية والهجرة والتمدن وتغير المناخ بمشاركة عدد كبير من المؤسسات الإقليمية والدولية، ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين والخبراء، وصناع السياسات من مختلف دول العالم.